فبعض الناس يجد راحة وطمأنينة أن ينفرد، وأن يخلوا عن الخلق، وأن يذكر الله مع هذه المخلوقات التي تذكر الله سبحانه وتعالى، وفي وقت أكثر الناس غفلة، أو في لهو، أو لعب، والله المستعان، وأما الآن فماذا يفعل الناس عند البحر؛ وخصوصاً في الليلة المفضلة وعيد الأسبوع: ليلة الجمعة؟ إنك تسمع الغناء، ومزامير الشيطان، واللهو، والطرب، والغيبة، والصراخ، والسكر أحياناً، والعربدة.
فانظر إلى الفرق بين قلوب المؤمنين، وبين قلوب الغافلين، والعياذ بالله، وما هي إلا لحظات وينتهي العمر كله، فذاك ذهب بحسرة وندامة وخسارة؛ لأنه لا تمر على أحد ساعة لا يذكر الله عز وجل فيها إلا كانت عليه حسرة يوم القيامة.
وأما الآخر فذهب بالباقيات الصالحات؛ الواحدة منها خير من الدنيا وما فيها سبحان الله، وبحمده، سبحان الله العظيم، وإن لم يذكر فليتفكر في ملكوت السماوات والأرض، والفكر في البحر أمر عجيب، فعظمة الله تبارك وتعالى تظهر في كل شيء؛ ومن أعظم ما تظهر فيه هو: البحر، وما فيه من عجائب خلق الله، وقد جاء في بعض الآثار: أنه يستأذن ربه عز وجل كل يوم ثلاث مرات أن يغرق أهل الأرض؛ لما يرى من المعاصي والفجور، فأفجر أماكن في الدنيا هي الشواطئ في جميع أنحاء العالم، في الدول الكافرة، وفي المجتمعات الإسلامية، والله المستعان.
ونرى الغربيين وأمثالهم وأذنابهم ممن لا يؤمن بالله، واليوم الآخر أنهم يتحينون ويتحرون الأمواج؛ حتى يقوموا بألعاب معينة، فيلعبون على الموج، وهم غافلون، ويريدون أن يهيج البحر كي يستمتعوا أكثر نسأل الله السلامة والعافية.
وأما المؤمنون إذا هاج البحر فإنهم يخافون، بل إذا جاء السحاب -وهو الغيث والرحمة والمطر فإنهم يخافون، ( فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى عارضاً من السحاب تغير وجهه، فقال له الصحابة: لماذا يا رسول الله؟ إنا إذا رأيناه فرحنا به؛ لأنه يأتي بالمطر، فقال: إن الله تبارك وتعالى أهلك به أمة من الأمم )، وهم أعتى الأمم: (( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ))[الفجر:7] (( الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ))[الفجر:8]، (( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ))[الأحقاف:24] ظنوه مطراً، (( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[الأحقاف:24]، فليس أي شيء تراه تعتبره وتظنه كما تحبه وتتوقع أن يكون، وإنما توقع أن يكون شيئاً من الذي تخشاه وهو عذاب الله عز وجل، ويستدفع عذاب الله بذكره سبحانه.
يقول: ( [ نام بعضهم عند إبراهيم بن أدهم -وهو من العباد المعروفين- فقال: فكنت كلما استيقظت من الليل وجدته يذكر الله، فأغتم ثم أعزي نفسي بهذه الآية: (( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ))[المائدة:54] ) أي: أنه يغبطه على ذلك الاجتهاد، وتلك الهمة ].